هل تتفق معنا على جمالية الحالة الفنية التي جمعت بين لطيفة و كاظم الساهر في نهاية التسعينيات؟
لم تكن تجربة لطيفة مع كاظم الساهر الملحن تجربةً اعتيادية، حيث كشف هذا التعاون عن مساحات جديدة من صوت لطيفة و وجدها تجرب ألواناً موسيقية و أفكار جديدة لم يتم تقديمها مسبقاً؛ ففي أغنية “يا سيدي مسي” مثلاً قدمت لطيفة الموال الشعبي و في “حاسب” تغنت على مقام المخالف العراقي.
و يعود هذا التعاون إلى العام ١٩٩٥ عندما التقى الساهر بلطيفة في أحد المناسبات في تونس. و لرغبته في مقابلة الشاعر الراحل عبدالوهاب محمد (الذي يعد والد لطيفة الروحي)، كان من الطبيعي أن يثمر لقاءهما عن أغنية هي “أهيم بتونس” التي غنتها لطيفة في حب وطنها.
و سرعان ما امتد هذا التعاون لألبوم كامل هو “ما وحشتكش” الذي طُرِح في صيف ١٩٩٦ و احتوى على ثمان أغنيات لحنها الساهر جميعاً و كتبها عبدالوهاب محمد. و بعدها بأقل من عامين، طرحت لطيفة أغنية منفردة مبنية على قصيدة “دمشق (رضي الله عن الشام)” من ألحان الساهر و ألبوم “تلومني الدنيا” الذي احتوى على أربع أغنيات من ألحانه أيضاً.
و كان جزء كبير من التعاونات الأخيرة بين الساهر و لطيفة في ١٩٩٨ عبارة عن قصائد بالعربية الفصحى كتبها الراحل نزار قباني أحدها هي ديو أغنية “الإنسان” و التي عادت للواجهة عام ٢٠٠٠ عندما تم إعداد مونتاج خاص بها استغرق ٢٤ ساعة تزامناً مع أحداث الانتفاضة الفلسطينية الثانية. و رغم أن الأغنيات لحنها الساهر جميعاً، إلا أنه شاطَرَ التوزيع مع موسيقيين آخرين كالموسيقار العراقي فتح الله أحمد و المصري إبراهيم الراديو و غيرهما ما أضفى تنوع واضح في الألوان الموسيقية المقدمة. و قد قدمت لطيفة بعض هذه الألحان منفردة و برفقة الساهر في حفل قاعة رويال ألبرت هول اللندنية العريقة في ١٩٩٧.
و لا يمكن ذكر تجربة لطيفة الخلاقة مع الساهر دون التطرق إلى التجديد في الصورة أيضاً، حيث قامت لطيفة بتصوير أغلب تلك الأغنيات بأشكال مختلفة (لعل أغنية “أمري لله” الوحيدة التي لم يتم تصويرها). و قد تكون تجربة لطيفة مع المخرجة السينمائية المثيرة للجدل إيناس الدغيدي الأبرز هنا، حيث صورت بعض مشاهد “يا سيدي مسي” في مغارة جعيتا بلبنان في سابقة من نوعها، و قامت باستخدام خدعة بصرية أظهرت “لطيفتين” واحدة أرستقراطية و الأخرى فقيرة في مشهد واحد في “يا حياتي”.
و بعد مرور ما يزيد عن ربع قرن منذ اللقاء الأول بين هذين المبدعين، لا يزال الجمهور يتذكر تلك التعاونات و يطرب لها و لا يزال يتمنى إعادة هذه التجربة اليوم. يذكر أن لطيفة تعد أحد أكثر الفنانات العرب خوضاً لمثل هذه التجارب (كما حصل مع زياد الرحباني في ٢٠٠٦)، و ستكون لنا وقفات أخرى معها في المستقبل.