“و بتسألني ليش مغرب و عايش وحيد؟ بأرض بلادي عشت معذب، شو طالع بالإيد؟” في ٢٠٠٤، أهدت نجوى كرم هذه الكلمات التي كتبها شقيق صباح روجيه فغالي لكل مغترب و مواطن عربي آذته الأوضاع الاقتصادية و ضاق ذرعاً بسبب الفساد المتفشي لدى بعض السلطات.. فما هي خلفية هذا العمل و كيف استطاع اجتياز مقص الرقيب؟ و ما علاقته بأحداث ٢٠٢٠ في لبنان؟
هل تتذكر عندما امتنعت نجوى كرم عن تصوير أي فيديو كليب بعد ٢٠٠٢ و اكتفت بمشاهد من حفل ساحة النجمة لأغاني ألبومها “سحرني” (٢٠٠٣)؟ أرادت كرم أن تقدم عمل عصري مختلف في “أوعى تكون زعلت” (٢٠٠٢)، لكنها استاءت عندما اعتقد الجمهور أن الأغنية تمثل الألبوم بالكامل و أنها ابتعدت عن لونها الأصيل.
الوحيد الذي استطاع إقناعها على العدول عن هذا القرار كان المخرج سعيد الماروق عندما قدم رؤيته المميزة و العميقة لفيديو كليب “ليش مغرب”، العمل الذي سبب جدلاً كبيراً قبل طرحه و تأخر كثيراً حتى يرى النور. تم تصوير العمل في ٨ فبراير ٢٠٠٤، و لم يطرح حتى نهاية مارس من ذلك العام. في تلك الفترة، كان الوضع الاقتصادي اللبناني ليس في أفضل حالاته، و كان هنالك العديد من المظاهرات الطلابية. لذا، خشي الأمن العام اللبناني أن تأثير نجوى الكبير سيفاقم من المظاهرات و قد يحولها إلى شغب. فلم يقبل مقص الرقابة النسخة الأصلية التي قدمها الماروق و أجبره على إعادة مونتاجها لأربع أو خمس مرات.
الكثير تغير في العمل حتى يتم طرحه. أحداث النسخة الأصلية المسربة مؤخراً على يوتوب تقع في فترتين زمنيتين: الأولى في العام ٢٠٠٧ في المتحف ببيروت، حيث العديد من الاحتجاجات و المظاهرات، و الثانية في ٢٠١٠ عندما تصل كرم إلى بلادها لتجدها خاوية كئيبة. أُجبر الماروق على حذف العديد من المشاهد التي اعتقدت الرقابة أنها عنيفة مثل مشهد الكلاب و مشهد رش المتظاهرين بالماء. عبّر الماروق كثيراً عن امتعاضه على ما أسماه “تشويه” لعمله الأصلي، كما شرح بعض المعاني و الرسائل التي أراد إيصالها في نسخته النهائية. في أحد تلك اللقاءات تحدث الماروق عن مشهد العروس قائلاً: “اللباس الأسود هو رمز لمستقبلها الأسود، فهي فرحة في المشهد و الفرح حقيقي لأنها تجهل ما ينتظرها. وهو تعبير عن أننا نعيش أيامنا بحلوها ومرها دون أن نفكر بالمستقبل الآتي.”
العمل الذي صدر رسمياً في ٢٠٠٤ (و بعد مسح العديد من المشاهد) أصبح يقع في زمن واحد و هو العام ٢٠٢٠! أليست هذه نبوءة مخيفة؟ كما أنها سوداوية جداً، و نحن نؤمن بشدة أن لبنان مر بظروف أسوأ و سيستطيع الوقوف مجدداً، و ستكون الأحداث الأخيرة القشة التي تقسم ظهر الفساد..